ادعمنا

مفهوم الاقتصاد الدائري - The Concept of Circular Economy

يوجد تصورات مختلفة حول مفهوم الاقتصاد الدائري-Circular Economy، والتي تم تطويرها بشكل كبير في سبعينيات القرن العشرين، إلا أنها تشترك في مجملها في فكرة خلق القيمة بطرق جديدة وإبقاء المنتجات والمكونات والمواد في أعلى مستوى من الفائدة والقيمة في جميع الأوقات في سلاسل التوريد، حيث يتم الحفاظ على تعقيد المواد عن طريق تحويلها إلى أعقد أشكالها لأطول فترة ممكنة. يسعى هذا النموذج إلى استخدام الموارد بكفاءة أكبر وإعادة استخدام المنتجات أكثر من مرة بنقل النفايات من نهاية سلسلة التوريد إلى بدايتها، الأمر الذي يؤدي إلى تمديد عمر المنتج. كما يعتبر الاقتصاد الدائري نموذجاً صناعياً جديداً تهيمن فيه الدورات وليس المسارات الخطية على عمليات الإنتاج، والذي تعتبر سلاسل التوريد فيه وحدة العمل الرئيسية. كما يسعى الاقتصاد الدائري إلى تقليل الاعتماد على مدخلات الطاقة والمواد الأولية، فيما يعمل على تعزيز رأس المال الطبيعي. ويمكن تلخيص مبادئ الاقتصاد الدائري في ثلاث نقاط رئيسية: أ) تصميم النفايات والتلوث؛ ب) الاحتفاظ بالمنتجات والمواد المستخدمة؛ ج) تجديد النظم الطبيعية. وقد تأثر هذا المفهوم بأفكار اقتصادية أخرى مثل الاستهلاك التعاوني والاقتصاد التشاركي والاقتصاد الأخضر. ومن أبرز التحديات التي تعيق آلية عمل هذا الاقتصاد: التشتت الجغرافي، وتعقيد المواد، والقفل الخطي؛ وهي الحالة التي يتعذر فيها تحويل الأنظمة الاقتصادية الخطية إلى دائرية.

يتفاعل التحول نحو الاقتصاد الدائري في إطار مكون من ثلاثة محاور؛ وهي الناس، السياسات، والأماكن. حيث يتسم الاقتصاد الدائري بأنه تحولي يتضمن تغيراً ضمنياً ثقافياً نحو مسارات وأنماط مختلفة للإنتاج والاستهلاك، ونماذج جديدة للأعمال والحوكمة (الناس). وهو يتطلب نهجاً شاملاً ومنهجياً يتقاطع مع السياسات القطاعية، ونهجاً وظيفياً يتجاوز الحدود الإدارية للمدن ليغلق الحلقات الضيقة والبطيئة على النطاق الصحيح (الأماكن).

 

المزايا الاقتصادية 

على عكس المبدأ الذي يقوم عليه الاقتصاد الدائري، فإن تدفق المواد في أنظمة الاقتصاد الخطي يمر في مسار محدد انطلاقا من نقطة البداية وحتى نقطة النهاية حيث تستهلك المواد الخام المحدودة في البيئة وتحولها إلى منتجات جديدة والتي ينتهي بها المطاف إلى أن تتحول إلى نفايات يتطلب التخلص منها نفقات إضافية ولربما ساهمت بزيادة معدلات التلوث إن تعذر معالجتها. ويتم هدر المزيد من الموارد الطبيعية في هذه الأنظمة بسبب عمليات التصنيع غير الفعّالة. وترتبط عمليات الإنتاج في الاقتصاد الخطي بالفكرة القديمة خذ-اصنع-تخلص "take-make-dispose". أما في الاقتصاد الدائري يتم استخلاص مواد المنتجات الجديدة من المنتجات القديمة، حيث يتم إعادة استخدام المواد أو إعادة تصنيعها أو إعادة تدويرها، لتصبح مادة خام أو مصدراً للطاقة، وخاصة في قطاع الصناعات التحويلية، وفقا لفكرة الإنتاج الحديثة من المهد إلى المهد "cradle-to-cradle". وبالتالي، يعمل الاقتصاد الدائري على حماية المنتجات من تغيرات أسعار المواد الخام من خلال ضمان مصدر أكثر استدامة للمواد، وهو ما ينعكس على استدامة العلاقة مع المستهلكين. بالإضافة إلى تقليل التكاليف الناجمة عن استخراج الموارد وتوليدها. ولتوسيع نطاق استخدام المواد أكثر من مرة فإن الاقتصاد الدائري يعتمد على: أ) إغلاق حلقات الموارد؛ ب) إبطاء حلقات الموارد وتدفقات المواد؛ ج) تضييق نطاق حلقات الموارد، مما يعني ضمنيا زيادة كفاءة استخدام المواد والموارد الطبيعية والمنتجات.

وفقاً لمؤسسة إلين ماك آرثر، فمن الممكن في عام 2025 توليد حوالي تريليون دولار سنوياً من وفورات تكاليف المواد في نماذج الأعمال الدائرية. بينما تستفيد الاقتصادات الوطنية ومنظمو المشاريع والموظفين من الأعمال التجارية الجديدة والوظائف المستحدثة التي يوجدها الاقتصاد الدائري. كما يقدر أن يوفر إنتاج طن واحد من علب الألومنيوم المعاد تدويرها في نظام الاقتصاد الدائري ما يصل إلى 9 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، بينما يمكن لطن من الورق المختلط المعاد تدويره توفير 3.5 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، ويمكن توفير نفس الكمية عن طريق إعادة تدوير طن واحد من السجاد.

ومن الناحية البيئية، يعمل الاقتصاد الدائري على تعزيز النمو المستدام بيئيا عن طريق تخضير الصناعات التي تتضمن إدارة النفايات وإعادة تدويرها من خلال تقنيات أنظف في الإنتاج ورفع كفاءة الموارد ودعم عمليات انتقال الطاقة. وهو ما يحد من استنفاد الموارد وتغير المناخ وتلوث المناطق الطبيعية. 

 

أركان الاقتصاد الدائري

بالنسبة للعديد من الممارسين في مجال الاقتصاد الدائري، يمكن تحديد أهم أركان الاقتصاد الدائري بما يلي:

- الحفاظ على قيمة المواد عالية خلال عملية التدوير بشكل مستمر. عن طريق الحفاظ على تعقيد المواد لأطول فترة ممكنة. حيث تصمم دورات المواد بحيث تكون ذات أطوال مناسبة للمقاييس الزمنية البشرية والدورات الطبيعية التي ترتبط بها. بينما يفضل تدوير المواد القليلة أو النادرة على فترات أقصر بحيث يمكن استردادها في وقت أقرب لإعادة استخدامها.

- استخدام مصادر الطاقة المتجددة. تصمم المواد اللازمة لتوليد الطاقة وتكنولوجيات تخزينها لغاية استردادها في النظام. كما يتم الحفاظ على الطاقة بفاعلية واستخدام القيم الأقل للطاقة عندما تكون متاحة للاستخدام، مثل التدفق الحراري. كما يتضمن ذلك نقل المواد ضمن نطاق جغرافي صغير ما أمكن وذلك لتقليل خسائر الطاقة الهيكلية المستنفدة في عمليات النقل، بالإضافة إلى مواءمة معدلات استهلاك الطاقة مع كمية الطاقة المتاحة محليا. كما يتم تجنب تحويلات الطاقة من نوع إلى آخر قدر الإمكان. 

- استخراج الموارد المائية وتدويرها بشكل مستدام. حيث تحظى حماية مصادر المياه بالأولوية، عن طريق تقليل استخدام المياه العذبة إلى الحد الأدنى، وتحقيق أقصى قدر من استعادة الطاقة والمغذيات من المياه المستخدمة. بالإضافة إلى تجنب الانبعاثات الضارة بالنظم الإيكولوجية المائية. 

- دعم التنوع البيولوجي وتعزيزه عن طريق النشاط البشري. وذلك بحماية الموائل الطبيعية وخاصة النادر منها من آثار الأنشطة البشرية. بالإضافة إلى الحفاظ على التنوع الإيكولوجي كأحد المصادر الأساسية لمرونة المحيط الحيوي.

- حماية الصحة الجسدية والنفسية للبشر وغيرهم من الأنواع الحيوية بشكل بنيوي. حيث يتم تقليل المواد السامة والخطرة إلى أدنى حد ممكن والاحتفاظ بها في دورات خاضعة لرقابة شديدة، حتى يتم القضاء عليها بالكامل في نهاية المطاف.

- الحفاظ على المجتمع البشري والثقافات المرتبطة به من خلال نماذج الإدارة والحوكمة التي تلبي حاجات وتطلعات أصحاب المصلحة ذوي العلاقة. 

- توليد القيم المجتمعية التي تتعدى القيم المالية المباشرة عن طريق الأنشطة البشرية المختلفة. والتي تشمل القيم الجمالية، والعاطفية، والإيكولوجية، وما إلى ذلك.

 

المصادر والمراجع:

UNIDO, “Circular economy”, last view 08/05/2021, 12:30 am.

Sustainability guide, “Circular economy”, last view 08/05/2021, 12:30 am.

Ellen MacArthur Foundation and McKinsey & Company, 2014,“Towards the circular economy: Accelerating the scale-up across global supply chains”, World Economic Forum, last view 08/05/2021, 12:30 am.

Ellen MacArthur Foundation, 2019, “Introduction to the Circular Economy”,  last view 08/05/2021, 12:30 am.

OECD, 2020, “Towards a circular economy: Key drivers,”, last view 08/05/2021, 12:30 am.

Eva Gladek, 2017. “The Seven Pillars of the Circular Economy.”, last view 08/05/2021, 12:30 am.

 

إقرأ أيضاً

شارك أصدقائك المقال

ابقى على اﻃﻼع واشترك بقوائمنا البريدية ليصلك آخر مقالات ومنح وأخبار الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ

ﺑﺘﺴﺠﻴﻠﻚ في ﻫﺬﻩ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ البريدية، فإنَّك ﺗﻮاﻓﻖ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻼم اﻷﺧﺒﺎر واﻟﻌﺮوض والمعلوﻣﺎت ﻣﻦ الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ - Political Encyclopedia.

اﻧﻘﺮ ﻫﻨﺎ ﻟﻌﺮض إﺷﻌﺎر الخصوصية الخاص ﺑﻨﺎ. ﻳﺘﻢ ﺗﻮفير رواﺑﻂ ﺳﻬﻠﺔ لإﻟﻐﺎء الاشترك في ﻛﻞ ﺑﺮﻳﺪ إلكتروني.


كافة حقوق النشر محفوظة لدى الموسوعة السياسية. 2024 .Copyright © Political Encyclopedia